غالبًا ما نُعجب بالشخص القوي، ذاك الذي يقف شامخًا وسط العواصف، يبتسم رغم الانكسارات، ويبدو دائمًا وكأنه لا يحتاج أحدًا. نُصفق له حين يتحمل، ونلجأ إليه حين نضعف. لكن ماذا لو أخبرتك أن هذا "القوي" منهك؟ وأننا، دون أن ندري، قد نكون جزءًا من ألمه؟
أسطورة الإنسان القوي
منذ الصغر، يُربّى البعض على فكرة أن البكاء ضعف، وأن الشكوى لا تليق بمن يطمح أن يكون "ناجحًا". وهكذا، يُبرمج كثيرون على كبت مشاعرهم، وتعلم "التحمّل" بدل طلب المساعدة. بمرور الوقت، يتحول هذا التحمل إلى درع، ثم إلى قيد.
الإنسان القوي لا يعني أنه لا يتألم. بل هو من يشعر، لكنه اعتاد أن يُخفي، من كثرة ما خذلته الحياة حين تكلّم.
العبء الخفي للقوة
هؤلاء الأقوياء غالبًا ما يعانون في صمت. فهم لا يجدون مساحة آمنة ليعترفوا أنهم تعبوا. يخشون أن يُفهم ضعفهم على أنه "سقوط"، أو أن تُستخدم شكاواهم ضدهم لاحقًا.
بعض المرضى الذين جلسوا أمامي وقالوا: "دكتور، الجميع يعتقد أنني بخير… لكنني أنام كل يوم وأنا أبكي بصمت"، كانوا من أنجح، وأقوى الشخصيات في محيطهم. القوة كانت غطائهم، لكنها لم تكن ملاذهم.
القوة الحقيقية؟ أن تقول "أنا لست بخير"
أقوى لحظة في حياة أي إنسان ليست حين يواجه كل شيء بمفرده، بل حين يعترف – بشجاعة – أنه يحتاج دعمًا. لا يوجد بطل خارق لا يسقط، ولا يوجد إنسان محصن من الألم.
القوة الحقيقية ليست في الصمت، بل في التعبير. ليست في التحمّل المفرط، بل في معرفة متى تتوقف وتعتني بنفسك.
إذا كنت من هؤلاء...
- خذ استراحة، حتى لو بدا أن الجميع يعتمد عليك.
- ابحث عن شخص تثق به – صديق، مختص، أو حتى ورقة وقلماً.
- لا تخجل من طلب المساعدة. لا أحد خلق ليكون جبلًا طوال الوقت.
كلمة أخيرة
في زحمة الحياة، لا تنسَ أن لنفسك عليك حقًا. إن كنت تُرى قويًا من الخارج، فلا بأس أن تعترف بضعفك من الداخل. لأن التوازن النفسي لا يعني غياب الألم، بل التعامل معه بصدق ورحمة.
أنت لست وحدك.